البرامج البحثية

حيث تمثل الهوية مفهومًا محوريًّا في العالم الاجتماعي، فمنه تُعرّف الأفراد والجماعات والدول نفسها، وتحدد رؤيتها للعالم، وعليه يتشكل موقعها، ومن ثم أدوارها، لكن الهوية – شأن باقي المفاهيم الاجتماعية – تتأثر بالسياقات المختلفة؛ فتكون عرضة للتغير؛ فالتغير في الهويات يترتب عليه تبدل المصالح، والأدوار.
وإذ تعاني الأمة العربية والإسلامية من مشكلات الهوية والذات الثقافية؛ حيث شهد تاريخها موجة من التقلبات والتغيرات التي تمس طبيعة الهوية، ودوائر الانتماء، أدت لاختلال في ترتيب تلك الدوائر، وأحدثت تعارضًا في الولاءات بين الجماعة والدولة والأمة، كل ذلك في ظل سؤالٍ دائم عن الاستقلال، لا يمكن حسمه إلا بالإجابة عن أسئلة الهوية: من نحن؟ وماذا نريد؟ وما علاقتنا بالآخر؟
جاء هذا البرنامج حيث يهتم بإشكالات الهوية والاستقلال الوطني وقضايا التحرر من التبعية الأجنبية وعلى رأسها التحرر المعرفي في المحيطين العربي والإسلامي؛ حيث لا يزال سؤال “من نحن؟” في مقابل “من هم؟” يُشكِّل مسارًا للجدل الدائم. فإذا كانت الهويات ليست مجرد مضمون ثقافي يعبر عن الانتماء، بل يتحدد على أساسها المصالح والأدوار، تصبح المشكلات المترتبة عليها أكثر تعقيدًا، لما لها من تأثيرات جوهرية على القضايا الرئيسة، التي تسعى الأمة لتحقيقها كالتنمية، والاستقلال، والوحدة.
تتوزع أهداف البرنامج، بين هدفين:
• فحص وفض إشكاليات الهوية، وما ترتبه من أدوار ومصالح؛ فهذا الهدف ذو بعدين، أولها: وصفي ورصدي، يتعلق بفحص الحالة الراهنة لإشكال الهوية في الأمة العربية والإسلامية، وثانيها: تقييمي، يقدم مقارنات منطلقة من الرؤية التي يتبناها المركز لمشكلات الهوية.
• إثارة الوعي بشأن طبيعة دوائر الانتماء، وترتيبها، وترسيخ الهوية العربية الإسلامية، والتحرر من أشكال التبعية الأجنبية.
وحيث دخلت الأمة العربية والإسلامية، إثر تعرضها لقطيعة تاريخية، في أزمة هوية؛ أثَّرت بشكلٍ واضح على قيمها، ومصالحها، وأدوارها؛ فأضحت ثمة حاجة لإعادة تعريف هويتها في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إذ أثرت تلك الأزمة على هويات الأفراد كما الجماعات، بسبب ما بين هذه المستويات (الفرد، الجماعة، الدولة، الأُمة) من تكامل وتفاعل مستمر، على هذا الأساس يهتم البرنامج بالمحاور التالية:
(١) هوية الأفراد في بيئة متغيرة: يهتم هذا المحور باستيعاب ما خلّفته التطورات السريعة المتلاحقة على نمط الحياة بالأفراد من زاوية نفسية واجتماعية، فباتت هويات الأفراد فيها على المحك، وعرضة للتهديد، والتفكيك وإعادة الترتيب. فإذا كانت هوية الفرد هي المسئولة عن حركته، فترشده وتهديه، فإن غيابها أو تشوشها يؤدي لمشكلات تتصل بكينونة هذا الفرد، ونظرته لنفسه وللعالم من حوله، ومن ثم دوره.
(٢) الهوية بين الدول والجماعات: يبحث هذا المحور في تجارب التحرر المختلفة؛ أبعادها السياسية والاقتصادية والمعرفية، ونجاحات المقاومة بوجه عام وإخفاقاتها، وطبيعة العلاقة بين هويات الجماعات والدول؛ باعتبار أن هوية المجتمع أو الدولة هي محصلة تفاعل مستمر بين الجماعات التي تتسابق لتكون ذاتها الثقافية هي الهوية المرجع، إذا كان مرغوبًا، وإذا كان تنافسًا صراعيًا أو صفريًا.
(٣) الهويات والتاريخ: يركز هذا المحور على فهم الكيفية التي يسهم بها التاريخ في تشكيل وبناء الهوية، فمثلًا أثرت الظرفية التي تطور فيها التاريخ العربي والإسلامي على قضية الهوية، فكانت في صراع دائم بين قومي وعلماني ووطني وإسلامي، تبعًا للمراحل التاريخية التي مرت بها، من الفتح مرورًا بالاحتلال فالاستقلال، ويرتبط بهذا المحور؛ الهوية في الأدبيات الإسلامية وذات البعد التاريخي.
(٤) العولمة والهوية: يركز هذا المحور على دراسة الطريقة التي تؤثر بها المتغيرات العالمية في بناء الهويات، وتعمل من خلالها على إدخال تعديلات وتغيرات في الهويات الوطنية (المحلية)؛ فالعولمة، التي لا ترتبط بالوقت الراهن وحسب بل بكل قوة راغبة في الهيمنة، سعت لتشكيل هويات الآخرين لتجعلها على نمط عالمي (عولمي)، يخدم مصالحها، ويصب في سبيل استمرار هيمنتها.

حيث نشأت علاقة قديمة، قدم الإنسان ذاته، بين الدين والسياسة بصفة عامة، والسلطة بصفة خاصة؛ حيث لازمت ظاهرة السلطة الإنسان، ولأن السلطة بحاجة لما ينظمها، وقع الحديث على الدين كمنظم لها، ومرشد لفعل القائمين عليها، لكن الديني بوصفه مقدسًا؛ والسياسة باعتبارها إنسانيًّا متغيرًا، حدث جدال بين الثابت والمتغير، وعلاقتهما ببعض، فتبلورت ثلاثة اتجاهات على الأقل؛ اتجاه يجعل من الدين حاكمًا وناظمًا للإنساني (السياسي) المتغير، وآخر يوظف الديني لخدمة السياسي، وثالث يسعى للفصل بينهما من منطلق دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله، والعالم الإسلامي، عبر مراحل تاريخه المختلفة شهد ذلك الجدال والتفاعل بين الاتجاهات الثلاثة، ولعل التنازع بين هذه التيارات هو ما يجعلها قضية رئيسة على الساحة الفكرية.
ينهض البرنامج على فحص إشكالات التداخل والتفاعل بين الديني والسياسي، فيبحث في مجالات السياسة وعلاقتها بالدين، والسلطة – وما يتفرع عنها من ظواهر – أهم تجليات السياسة هي محور اهتمام البرنامج، فتفاعل السلطة مع الدين يولد إشكالات وثنائيات تتطلب الدراسة، والفهم العميق؛ أدى التناول السطحي لها لتعميق الجدل حولها، لا فض إشكالياتها، ووضع الأطر التي تصل في النهاية إلى صلاح الدين والدنيا كما تُعرف السياسة من منظور إسلامي.
وباعتبار أن قضايا الدين والسلطة تُعد أبرز القضايا الجدلية التي تشغل الأمة العربية والإسلامية، نظريًّا وعمليًّا، فالبرنامج يسعى لتحقيق الأهداف التالية:
• تعميق فهم القضايا الراهنة المتصلة بعلاقة الديني بالسياسي، وبحث مجالات السياسي، ومجالات الديني، ثم علاقتها ببعض.
• محاولة تقديم توصيات تتعلق بكيفية التعامل مع هذه القضايا بما يسهم في إصلاح واقع الممارسة السياسية والاجتماعية في المجتمعات الإسلامية.
وارتباطًا بتوصيف البرنامج وهدفه، تنقسم محاور البرنامج إلى:
(١) الفرد بين الدين والسلطة: يهتم هذا المحور بتأثير العلاقة بين الديني والسياسي على الفرد، وتأثيره في تحديد اتجاهات العلاقة بين الاثنين؛ فالفرد له دور في هذه العلاقة تختلف حسب موقعه واهتماماته.
(٢) الاجتماع السياسي الديني: يتناول هذا تفاعل الديني والسياسي في الإطار الاجتماعي، فيدرس تأثير المتبادل بين الدين كظاهرة وظواهر الاجتماعي السياسي؛ التي تتمحور بشكل أساسي حول السلطة، وقيمها، وأطرها الحاكمة، وضوابطها التنظيمية.
(٣) الحركات السياسية الدينية: تنتشر الحركات التي تعظم دور الدين، وعلاقته بالحياة بشكل عام والسلطة بشكل خاص؛ لذلك يتتبع هذا المحور فعل هذه الحركات وبرامجها، بوصفها تجارب تاريخية وواقعية يمكن الإفادة منها، لا سيما حركات الإسلام السياسي التي أفرزت جدالات أكثر عمقًا تتعلق بعلاقتها بالسلطة وموقعها منها.
(٤) الأقليات الدينية والسلطة: السلطة السياسية ليست محايدة إزاء الجماعات المختلفة؛ وهو ما نتج عنه علاقات متفاوتة بين السلطات وبعض الجماعات لأسباب دينية، خاصة في المجتمعات المتمايزة عرقيًّا، ومن ثمَّ يركز المحور على فحص ذلك النمط من العلاقات، وعلى سياسات الدول المختلفة للتعامل مع الأقليات، من الاستيعاب إلى الإبادة، وكيف تحافظ الأقليات على هويتها، وهو مناط اشتباك مع «برنامج الهوية والتحرر».
(٥) البُعد الديني في العلاقات الدولية: ويهتم المحور بفحص تأثير التطورات الحديثة في العلاقات الدولية، والتي أبرزت بل أكدت دور الدين والأبعاد الحضارية في السياسة الدولية، على ظاهرة غيبة السلطة في البيئة الدولية، كما يركز على ما خلفته ظواهر كالحركات السياسة الدينية، خصوصا الإسلامية كالتفاعلات العابرة للحدود، وطبيعة العلاقات الدولية.

لأن الاختلاف سنة فطرية، لكن الخلاف درجة في العلاقات تقع حينما يتحول الاختلاف إلى مصدر للتنافس والصراع؛ ولا يُشترط أن يكون بمعنى سلبي دائمًا، فثمة تنافس في الخير، وثمة صراعات تنافسية يكسب فيها الطرفان، والفعل الإنساني قائم على الاختلاف والخلاف؛ فبين السلطة والمعارضة خلاف في البرامج والأدوات، وبين الجماعات وبعضها خلاف في الأيديولوجيات والأفكار، بل بين الدولة والمجتمع خلاف في المنطلقات! ثم بين الدول وبعضها خلاف قد يصل إلى حد الصراع في ظل غيبة السلطة العليا.
يهتم البرنامج ببحث آثار ظاهرة الخلاف، على الجماعات والدول، ولما كانت ظاهرة الخلاف ظاهرة اجتماعية، فإن البشر هم من يعطون المعنى لهذه الظاهرة، ويتفاعلون على إثرها، بشكل إيجابي أو سلبي يختلف من سياق لآخر؛ فلكل تفاعل سياق يحكمه، ويركز البرنامج على دراسة العلاقات الخلافية التي تهم العالم العربي والإسلامي؛ فيهتم بالعلاقات المدينة العسكرية، والأيديولوجيات السياسية، وعلاقات التبعية، والتنافس الدولي، وما في سياقها من موضوعات.
ويهدف البرنامج إلى تحقيق هدفين:
• بحث التفاعلات الخلافية، المتصلة بالمحيط الحضاري العربي/الإسلامي، على مستويات عدة، سياسية، واجتماعية، واقتصادية، داخلية وخارجية، بحثًا عن أنماط عامة للعلاقات الخلافية في هذا المحيط.
• تقديم برامج عمل، مبنية على تلك الدراسات، تسعى لحسن استثمار العلاقات الخلافية، وتحويل الأنماط السلبية منها لإيجابية، تعزز في النهاية حال الأمة العربية/الإسلامية، وعلاقتها البينية وموقعها في النسق الدولي.
ويتوزع اهتمام البرنامج على عدة محاور يمكن جمعها في الآتي:
(١) الفكر والحركة: ويهتم ببحث تفاعلات الفكر والحركة، فيُقارن بينهما، ويكشف التناقض بينهما على مستوى الجماعة الواحدة، ثم تفاعل الأفراد والجماعات المختلفة في المجتمع، وما يتنج عنه من مظاهر خلاف.
(٢) مؤسسات الدولة: يهتم هذا المحور بفهم الكيفية التي تسير بها مؤسسات الدولة في البلدان الإسلامية، ومدى التوافق أو الخلاف بينها، كما يهتم بفحص العلاقة بين البيروقراطيات والسلطات السياسية ومآلات ذلك على استقرار الدولة، وتحقيق الصالح العام.
(٣) الدولة والمجتمع: حيث يركز على فحص طبيعة العلاقات بين الدولة التي ارتبطت نشأتها تاريخيًّا بنمط معين من السيطرة على المجتمع، والمجتمعات وموروثها التاريخي، ومن ثمَّ فهو يركز على دراسة أنماط العلاقة بين الدولة بالمجتمع.
(٤) العلاقات البينية: ويركز على العلاقات بين الدول والشعوب العربية والإسلامية، لا سيما الخلافية، فيسعى لقراءاتها من جانب، وتحليلها من جانب آخر، كما يهتم بعلاقات مؤسسات الأمة، ومنظماتها، وتكويناتها المجتمعية وسبل تعزيزها.
(٥) تفاعلات دولية: يُعنى ببحث علاقات القوى الكبرى في العالم، وتأثيراتها المختلفة على التنمية والاستقلال في بلدان العالم الإسلامي من جانب، وتأثيراتها على مجمل قضاياها من جانب آخر.

حيث تُعد صناعة السياسات المهمة الرئيسة التي تضطلع بها مختلف النظم السياسية باختلاف توجهاتها ومذاهبها، حسب معطيات كل مرحلة من عمر النظام وبيئته وشخوص القائمين عليه.
وإذ لم تُعد هذه العملية مقتصرةً على السلطات الحاكمة – الرسمية – ولكن أصبحت مشاركة مختلف الأشخاص في المجتمع سواء الطبيعية أو الاعتبارية كالجمعيات غير الحكومية، النقابات العمالية، وحتى مراكز الفكر والبحوث أحد أركان هذه العملية، ومؤثرًا أساسيًّا في توجيه السياسات، يختلف دورها باختلاف طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع.
جاء هذا البرنامج ليهتم بفحص طبيعة التفاعل بين أطراف عملية صنع السياسات المختلفة؛ حيث أضحت هذه العملية عملية تفاعل بين أطراف عدة رسمية وغير رسمية، يساهم كل منهم حسب طبيعة تكوينه ومصادر قوته الاجتماعية وطبيعة النظام السياسي في تشكيل هذه العملية وتحديد توجهات السياسات العامة في شتى جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية والخارجية.
وارتباطًا بطبيعة عملية صناعة السياسات، يهدف البرنامج إلى:
• إعادة قراءة التراث الإسلامي الخاص بإدارة الدولة والحكم، من حيث عرضه والتعليق عليه والمقارنة بينه وبين الأفكار والنظريات الغربية المعاصرة.
• دراسة السياسات العامة التي تتجاوز الدولة الواحدة، لاسيما بين دول العالم الإسلامي، من خلال مشاريع التعاون الاقتصادي بين أكثر من دولة أو التنمية الاقتصادية في مجالات مثل: الطاقة والغذاء والماء وغيرها، وهو مناط اشتباك عكسي مع «برنامج العلاقات الخلافية».
• تحقيق فهم أكبر لقضايا السياسات العامة، وعلى رأسها فهم الكيفية التي تُصاغ بها السياسات المختلفة، ودور الدولة وتكوينات المجتمع فيها، وتحليل السياسات الحكومية ودراسة تأثيراتها المختلفة.
• تقوية الوعي بدور التكوينات والنخب المجتمعية والمؤسسات غير الحكومية في صنع السياسات وترشيد حركتها وتحقيق الرقابة المجتمعية على هذه السياسات، وما يرتبط بذلك من طرق تمويل غير اعتيادية للمشروعات والخدمات العامة.
ويتوزع اهتمام البرنامج على عددٍ من المحاور التي تهتم بفهم صناعة السياسات محليًّا وإقليميًّا وعالميًّا، وطبيعة التأثيرات المختلفة بين هذه المستويات ومجالات السياسة المختلفة: الاجتماعية والاقتصادية، وأهمها:
(١) الإصلاح الاقتصادي والسياسات الاقتصادية: يركز المحور على طبيعة الإصلاح الاقتصادي في بلدان العالم الإسلامي، وكيفية تحقيقه خصوصًا في ضوء جدلية العلاقة بين الداخل والخارج في المشاريع الاقتصادية، وذلك من خلال فهم السياسات الاقتصادية المختلفة، وعلى رأسها السياسات: النقدية والمالية، وكذا طبيعة السياسات في القطاعات الاقتصادية المختلفة: المصرفية، والصناعية، والزراعية وغيرها.
(٢) التنمية السياسية: ويهتم بمتابعة حالة التنمية السياسية في البلدان الإسلامية، وما يثور حولها من أزمات: التبعية، والمشاركة السياسية، والشرعية، وغيرها من الأزمات التي تواجهه النظم السياسية العربية والإسلامية.
(٣) المؤشرات الاقتصادية الكلية: ويهتم بمتابعة أهم مؤشرات الاقتصاد الكلي التي تقيس درجات التنمية الاقتصادية ومدى التقدم الاقتصادي في البلدان الإسلامية، وموقعها من الاقتصاد العالمي وسياساته المختلفة: النقدية والمالية.
(٤) دور المجتمع المدني في صناعة السياسات: ويفحص الدور الذي يقوم المجتمع المدني ومؤسساته المختلفة في التأثير في عملية صناعة السياسات وتوجيهها، وعلى رأسهم مركز الفكر، ومؤسسات البحوث.
(٥) نخبة صناع القرار: يركز هذا المحور على تحليل الدور الذي تقوم به النخب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية ورجال الأعمال سواء من خلال استغلال مواقعهم في السلطة أو خارج السلطة في توجيه السياسات المختلفة في العالم الإسلامي.
(٦) سياسات النظام الدولي تجاه العالم الإسلامي: يهتم بالكشف عن طبيعة السياسات والخطط العالمية الموجهة للعالم الإسلامي: أفراده وشعوبه ودوله، وكيفية تفاعلها مع معطيات النظام الدولي، والتحديات التي يفرضها.

لما كان التطور التقني السريع في القرن الحادي والعشرين ناتجًا عن آفاق العصر الرقمي؛ الذي تتداخل فيه التكنولوجيا مع الإنترنت ووسائل الاتصال وتطبيقات الحاسب الآلي، حيث يقدم ذلك العصر ميزات كالتواصل الفوري، وتجاوز حدود الزمان والمكان، واختراع أدوات جديدة في ممارسة الأعمال المهنية والاجتماعية؛ فالربوتات أصبح لها دور في المنازل كما الشركات، ووسائل الإعلام الحديث (التواصل الاجتماعي) لم يُعد قاصر استخدامها على الأفراد للتواصل، بل أضحت أداة سياسية تستخدمها الدول في إطار سياساتها الخارجية، كما أضفت الرقمنة، سمات جديدة على ظواهر ومفاهيم قديمة، فالدبلوماسية أضحت رقمية، والأمن أصبح سيبرانيًّا، والديمقراطية والتصويت باتا إلكترونيين.
فقد امتد تأثير العصر الرقمي إلى جميع المجالات الاجتماعية، والاقتصادية والسياسية، والنفسية، والإعلامية؛ الأمر الذي يتطلب توسيع نطاق الاهتمام بتلك الظاهرة، التي تبدو على أنها تطور يغزو الحياة اليومية في كل المجالات بصورة يصعب إيقافها، لذلك، يركز برنامج النظم الرقمية على فهم العلاقة بين التقنية والمجتمع، بالمعنى الواسع؛ فالتقنية لا تقتصر على الإنترنت، بل كل المنجزات التي قدمتها التكنولوجيا (النظم رقمية)، التي تؤثر بالأساس على المجتمعات، سواء المحلية أو الدولية. فينصب اهتمام هذا البرنامج على تقديم فهم عميق، ودقيق لآثار الرقمنة على حياة الأفراد، والجماعات والشعوب والعلاقات بين الدول. وتحليل نتائجها، والبحث في فرص استغلالها وتطويرها.
وتنقسم أهداف البرنامج، إلى نوعين من الأهداف:
• فحص ظاهرة الرقمنة ومفاهيمها المتولدة والمتجددة، وتأثيراتها في المجالات المختلفة.
• الإسهام في ترشيد حركة الرقمنة التي يشهدها العالمان العربي والإسلامي؛ فمن المعروف أن التأثيرات الرقمية هي تأثيرات في اتجاهين، حيث يسعى هذا البرنامج لتحديد إيجابيات الرقمنة، والعمل على زيادتها وتقديم توصيات واضحة لاستثمارها، مع تجنب ما ينتج عنها من تحديات وسلبيات.
يحاول هذا البرنامج، وعبر محاور اهتمام واسعة، أن يوضح آثار النظم الرقمية، على الأفراد والتجمعات والدول، وأن يحقق الأهداف البحثية والتطبيقية المُصممة من أجلها، من خلال إجابته عن الأسئلة المطروحة في كل محور، والتي يمكن تلخيصها في الآتي:
(١) الفرد في العالم الرقمي: كيف أثر التطور التكنولوجي على حياة الفرد؟ وإلى أي مدى ساهمت النظم الرقمية في تيسير حياة الفرد وسبل معيشته؟ ولمن توجه التكنولوجيا الرقمية؟ وما آثارها النفسية والاجتماعية على الأفراد؟ وماذا عن مفاهيم الخصوصية والأمن الشخصي في العالم الرقمي؟
(٢) التجمع والاقتصاد في العصر الرقمي: ما الجديد الذي أضفته الثورة الرقمية على فكرة التجمع؟ وكيف أثرت على التواصل بين التجمعات المختلفة ابتداءً من علاقات الصداقة مرورًا بالجمعيات والمؤسسات والشركات وصولًا إلى الأحزاب؟ وكيف أثرت هذه الثورة على المجال الاقتصادي: البورصات الإلكترونية، والعملات الإلكترونية والتعاملات البنكية، والاقتصاد الرقمي.
(٣) تأثير الرقمنة على الظواهر الاجتماعية: كيف ستؤثر ظاهرة الرقمنة على البناء الطبقي في المجتمع؟ وماذا عن توزيع الثروة والمكانة والقوة الاجتماعية؟ وما الوظائف التي يتطلبها العصر الرقمي؟ وما الوظائف التي ستختفي؟ وما تأثير ذلك على المجتمعات والفئات المختلفة؟
(٤) التقانة والنظم السياسية: كيف تأثرت ظواهر كالديمقراطية والتصويت، والخدمات الحكومية، والإدارة العامة بالنظم الرقمية؟ فضلًا عن الاهتمامات السياسية للأفراد، وكيف استخدمتها الحكومات والقوى السياسية المختلفة؟ وما مزايا ومشكلات استخدام هذه التطبيقات في المجال السياسي الداخلي؟
(٥) آثار الرقمنة في مجال العلاقات الدولية: إلى أي مدى ستشهد بيئة العلاقات الدولية تغيرًا في ظل تأثيرات العالم الرقمي؟ هل تفترض الرقمنة أنماطًا جديدة من التفاعلات الدولية تعاونية أو صراعية؟ وكيف ستستخدمها الدول كأدوات سياسية تخدم مصالحها؟

حيث تشتد الصراعات، وتنتشر الحروب والنزاعات الداخلية في العالم الإسلامي بصورة كبيرة، فأضحت عمليات التشريد، والهجرة، واللجوء، عمليات واسعة النطاق، وتمتد عبر مناطق عدة فمن بلدانه من آسيا، لإفريقيا، إلى أمريكا. كما لم تعد هذه الظواهر الناتجة عن هذه العمليات ظواهر داخلية محضة؛ بل اتسمت الظواهر المترتبة عليها بالتشابك بين الداخلي والخارجي، السياسي والاجتماعي، الإنساني والمصلحي.
فقد استرعت قضايا “الإغاثة الإنسانية” اهتمام العديد من الدول، الكيانات، والباحثين، من زوايا اهتمام مختلفة؛ فبين مهتم بالأبعاد الإنسانية للعلاقات السياسية سواء الدولية أو الداخلية، من منطلق رؤيته لمحورية الإنسان في العالم، وبين متهم بالأبعاد الدينية يسعى لنجدة أبناء دينه أو الديانات الأخرى، وبين مهتم بالقوة الناعمة لدولته وتأثيرها في محيط الأزمة التي تتطلب التدخل لأغراض إنسانية، أو مزاحمة قوى عالمية، وإثبات مكانته في النسق الدولي القائم.
جاء هذا البرنامج ليهتم بمتابعة حالة المسلمين الإنسانية؛ فيرصد حالة المنكوبين، والمهجرين، وما تقوم به المجتمعات والدول للتخفيف عن معانتهم. كما يدرس طبيعة الاهتمام بالقضايا الإنسانية على المستوى العالم، ويحاول الكشف عن حقيقة ذلك الاهتمام، ويسعى لكشف التداخل بين الظواهر المختلفة الناشئة عن ظواهر الإغاثة الإنسانية: من لجوء، وهجرة، وتشرد، وتدخل لاعتبارات إنسانية.
ويهدف البرنامج، من اهتمامه بالحالة الإنسانية في العالم إلى:
• إنتاج دراسات علمية موثقة ترصد الحالة الإغاثية العالمية، وتقييمها، إسهامًا في وضع مؤشر عربي / إسلامي للإنسانية.
• تجديد الوعي بقضايا الإغاثة، وكشف التحيزات الغربية تجاه مسائل الإنسانية، وتحقيق التضامن الإنساني.
وتتوزع زوايا اهتمام البرنامج على المحاور التالية:
(١) مؤشر الإنسانية: يهتم برصد أبرز المناطق التي تعاني إنسانيًّا، وبوضع معايير لوصف ما هو إنساني من منطلق إسلامي.
(٢) ظاهرتي اللجوء والهجرة: يركز على ظاهرة اللجوء والهجرة، فيدرس أسبابهما، ويتتبع آثارهما والجهود المبذولة للتعاطي معهما، وما ينتج عنهما من تفاعلات دولية.
(٣) ظاهرة النزوح: يركز على معاناة النازحين، بسبب تغيرات المناخ، والحرب، والبيئة.
(٤) القفر، والمرض، وسوء التغذية: يُعنى بالمناطق التي تعاني الفقر بمختلف أنواعه ومستوياته، وسوء التغذية، وارتفاع معدلات المرض، والوفيات، والجهود المبذولة لرفع معانتهم، وخفض هذه المعدلات عالميًّا.