معضلة داروين الأخيرة

في كتابه: (صانع الساعات الأعمى)، يقول الملحد الشهير ريتشارد دوكينز في معرض الثناء على داروين: “لقد جعل داروين من الممكن أن تكون ملحدًا مكتملًا فكريًا”، وذلك لأن نظرية التطور لداروين جاءت لتقدم تفسيرًا ماديًا بديلًا عن وجود خالق عليم حكيم قدَّر وجود هذه المخلوقات البديعة وأحكم وأتقن صنعها، فإذا وجد أحدنا ساعة ملقاة وسط الصحراء فسوف يعلم بالبداهة أن لها صانعًا ذا علم وإرادة صنعها، وأنها ليست نتاجًا عن مجموع عمليات عشوائية طبيعية عمياء، أو أنها تكونت عن تراكمات للرمال والصخور وعوامل التعرية. لكن الدراونة سعوا جاهدين لإقناع الناس بعكس ذلك المفهوم البديهي المنطقي الصحيح الذي يملكه جميع البشر بشكل فطري، وزعموا بأن الطبيعة العمياء صنعت الساعات، بل صنعت جميع الكائنات الحية بما في ذلك نحن البشر. ومن هنا كانت أهمية فهم وتعلم ونشر أدلة نقد نظرية التطور.

وفي سلسلة معضلة داروين الأخيرة، نؤسس لواحدة من أهم المعضلات المضادة لنظرية التطور والتي اكتمل بنيانها مؤخرًا بأبحاث علمية حديثة لكي يكون المشاهد العربي على اطلاع وإلمام بمستجدات السجال العالمي في هذا الشأن الهام.

تعرض حلقات السلسلة العشر شرحًا مبسطًا لمعضلة التعاون، وتتجول في ملكوت الله البديع لتبين ما المقصود بالتعاون، وكيف أنه ليس محصورًا في بعض الصور الشهيرة فقط، وإنما يمتد كذلك إلى جميع المستويات ويشمل كل صور الحياة حتى يصل إلى التعاون بين كائنات غير متوقعة تمامًا، مثل الطفيليات والمفترسين والجينات والبروتينات؛ مما يوضح مدى انتشار التعاون وأهميته، وأنه هو الأصل الذي قامت عليه الحياة، وليس الصراع كما ظن داروين. وبذلك يقع الصدام والقطيعة بين نظرية التطور المنحازة تمامًا للصراع والأنانية، وبين الواقع المنحاز تمامًا للتعاون؛ مما يعني أن تلك النظرية لا يمكنها أبدًا تفسير هذا الواقع.

ونسوق ذلك كله في تسلسل منطقي يكتمل في الحلقة الأخيرة بعرض برهان معضلة التعاون الذي يعد الطعنة القاتلة لنظرية التطور، وذلك بدون الحاجة للتطرق إلى مناقشة الحفريات والسلف المشترك وتشابهات الدنا وأصل الإنسان … إلى غير ذلك من هذه التشعبات التي اعتدنا كثرة الجدل حولها عند مناقشة نظرية التطور.