إعداد: تامر نادي – أحمد نبوي
نشأ الجدل على أحقية السلطة بين المكوِّنين الديني والدنيوي في أوروبا الغربية منذ القرن الرابع عشر الميلادي، وتطوَّر في القرن السادس عشر ليأخذ شكل الصراع بين الفكر المسيحي الكنسي للسلطة (حكم الرب)، وبين ما اصطُلح بعد ذلك على تسميته بـ”العلمانية” أو “حكم الشعب”، الذي احتل مركز الحياة السياسية والاجتماعية الغربية، ليصبح الفكرُ الحداثي (العلماني) اليومَ قيمةً أساسية لدول أوروبا الغربية، ويؤطَّر على أنه فصل بين الدولة والدين.
ومع ذلك فإن المشهد الديني الحاليّ لأوروبا الغربية يشمل جماعات دينية، لم تكن جزءًا -أو أُبعدت قسرًا- من الترتيبات السياسية المؤسسية السابقة، التي رُسخت على مدار قرون مضت. فمنذ العقود الأربعة الماضية، عاد الجدل المتعلق بالعلاقات بين الدولة والدين إلى الظهور؛ بسبب زيادة ظهور الرموز والممارسات الدينية المختلفة (وخاصة الإسلامية) في الأماكن العامة في أوروبا الغربية، وأثار هذا الجدل نقاشات حول مواجهة إحياء الدين أو عودة الله كما وصفها «هيرتزكي» في مقالته، أو بالأحرى إحياء القلق من دين معين ومن أتباعه.
واليوم تعيد تيارات فكرية تأكيد العلمانية؛ بهدف كسب شعبية جماهيرية. ويعود ذلك إلى الاعتقاد بأن العلمانية يمكنها مواجهة التحديات الكبرى للمجتمعات المعاصرة، إذ يروجون لها باعتبارها الدواء الشافي لجميع المشكلات.
وعلى الرغم من أن العلمانية كانت إطارًا سياسيًّا أساسيًّا ومكونًا حاسمًا في إدارة التنوع الديني في دول أوروبا الغربية، فإنها ليست دواء لجميع المشكلات التي تواجهها المجتمعات متعددة الثقافات؛ فعلى سبيل المثال، يرى بعض الدول مثل فرنسا أن قبول المسلمين في المجتمع ضد مفاهيم العلمانية الأوروبية، وتحظر غالبية دول أوروبا الغربية المظاهر الدينية الإسلامية مثل الحجاب والمآذن؛ بدعوى عمومية المجال العام، وخصوصية ممارسة الدين. وتُستدعى أنماط بعينها من العلمانية ويُروَّج لها كوسيلة لمعارضة الهوية الإسلامية، كما يُعاد تأكيد العلمنة كقوة أيديولوجية؛ لمعارضة الإسلام.
تحاول هذه الورقة الإجابة عن تساؤل مفاده: كيف نشأ الجدل بين الديني والدنيوي حول السلطة في الحضارة الغربية؟ وإلى أي مدى تطوَّر؟ وما واقع الفصل بينهما في الوقت الحاضر؟ وهل حققت أوروبا فصلًا حقيقيًّا بين السلطة وأديانها الراسخة كما تزعم؟ وكيف أثَّر هذا الجدل العلماني على عالمنا العربي والإسلامي؟
Leave A Comment